هل انتهى عصر الكريبتو؟ الحقيقة أعمق: “الكريبتو كعالم منفصل” يذوب داخل التكنولوجيا والمال والمدفوعات. تعرّف على ما الذي يموت فعلاً… وما الذي يولد.
لما أقول “الكريبتو مات” أنا لا أقصد أن الأسعار ستصل للصفر، ولا أن الشبكات ستتوقف عن إنتاج البلوكات، ولا أن العملات المستقرة ستختفي فجأة.
المقصود شيء أذكى وأقسى في نفس الوقت:
فكرة “الكريبتو” كعالم مستقل بذاته… كهوية وثقافة وصناعة مغلقة… هذه هي التي تموت.
والسبب؟ لأن التقنية بدأت تنجح فعلاً — وأي تقنية تنجح، تتوقف عن كونها “حركة” وتتحول إلى “بنية تحتية” لا يلاحظها الناس.
المشكلة التي صنعناها: فقاعة “كريبتو من اجل الكريبتو”
سنوات طويلة، أعلى صوت في العملات الرقمية كان موجّهًا لفئة محددة جدًا:
ناس حياتها المالية أصلًا على السلسلة (On-chain).
لذلك بنينا كل شيء حول هذا المستخدم:
واجهات تفترض أنك مرتاح تحرّك مبالغ كبيرة من خلال إضافة متصفح.
تعليم على طريقة: “اقرأ ثريدات أكثر”.
منتجات مبنية على “نقاط، مزارع، انبعاثات، ميتا” لا يفهمها إلا من يعيش هنا.
وخطة نمو تتكرر في كل مشروع: توكن + برنامج نقاط + تعدين سيولة + ريفيرال + ديسكورد + “كوميونتي”.
النتيجة؟
بدل ما نجيب ناس جدد… كثير من المشاريع كانت تدوّر نفس المحافظ بين بروتوكول وبروتوكول.
أرقام اليوم الأول تبهر… وبعد 3 أشهر تكتشف أن “الاكتساب” كان مجرد تدوير، وليس تبنّي حقيقي.
ماذا يعني “مات” هنا بالضبط؟
خلّينا نوضحها بشكل مباشر:
1) ذوبان الحدود: “كريبتو” لن يبقى تصنيفًا واضحًا
سترى شركات مدفوعات، فينتك، أسواق، ألعاب، هوية رقمية… تستخدم البلوك تشين كجزء من المنتج بدون ما ترفع لافتة “Web3”.
شركة ليست “كريبتو ستارتب”… هي ستارتب تستخدم بلوك تشين عندما يفيد.
2) معظم تطبيقات الكريبتو “الداخلية” ستبقى صغيرة أو تموت
إذا كان سوقك الحقيقي هو: “ناس تقضي يومها تتنقل بين بروتوكولات ونقاط”… أنت تبني في شارع نهايته مسدودة.
نعم، هناك ناس ستربح من هذا الشارع. لكن هذا ليس طريق تغيير العالم.
3) كلمة “كريبتو” نفسها قد تصبح عبئًا
في مراحل معيّنة كانت تساعد على جذب انتباه.
لكن مع التنظيم والامتثال وتوقعات المستخدم العادي… كثير من الشركات ستفضل ألا تضع هذا الملصق على نفسها.
الخلاصة: الكريبتو لا يفوز عندما يصبح الجميع “كريبتو نيتف”.
الكريبتو يفوز عندما يستفيد الناس بدون ما يعرفوا أصلًا أنهم يستخدمونه.
من “كريبتو نيتف” إلى “واقع نيتف”: أين يحدث التبنّي الحقيقي؟
التبنّي الحقيقي غالبًا يكون مملًا (وهذا علامة نجاح).
مثل الإنترنت: في البداية كان ثقافة فرعية… ثم صار شيء بديهي لا أحد يقول “أنا مستخدم إنترنت”.
اليوم ترى بوادر واضحة:
مستخدم يتابع احتمالات حدث عالمي على منصة تتعامل مع بلوك تشين، وهو لا يهتم كيف تعمل.
تاجر في بلد يعاني من بطء التحويلات يستخدم USDT لأن التسوية أسرع وأرخص.
مدّخر في اقتصاد تضخمُه مرتفع يحتفظ بـ USDC ليس لأنه “متفائل بالكريبتو”، بل لأن عملته المحلية تنهار.
هؤلاء ليسوا “ديجنز”. هؤلاء ناس طبيعيين وجدوا في العملات المستقرة والبلوكتشين فائدة عملية:
أسرع، أرخص، أسهل، وأحيانًا أكثر أمانًا.
المشكلة لم تعد UX… المشكلة صارت: “النية”
صحيح أن تجربة الاستخدام تحسنت كثيرًا: محافظ أسهل، تسجيل اجتماعي، Apple Pay، بطاقات، تجريد التعقيد…
لكن السؤال الآن مختلف:
بما أننا نستطيع وضع هذه الأدوات في يد أي شخص… ماذا نبني؟ ولمن؟
إذا كان جوابنا دائمًا:
“نجعل الوجود على السلسلة أسهل لمن هو أصلًا على السلسلة”
“نصنع كازينو أفضل”
فهذا هو الجزء الذي سيتخلف عن الركب.
ما الذي يستحق أن يبقى من ثقافة الكريبتو؟
ليس الهدف دفن كل شيء. هناك قيم يجب أن تنتقل إلى العالم:
إتاحة بلا إذن: أي شخص يستطيع البناء.
سيولة عالمية وأسواق 24/7: الأسواق لا تنام.
قابلية التركيب (Composability): حالة مفتوحة وواجهات مفتوحة.
ملكية المستخدم (بشكل انتقائي): عندما تجعل المنتج أفضل فعلًا.
وبصراحة: “الكازينو” موّل كثير من البنية التحتية التي نحتاجها للمدفوعات والمنتجات الجادة.
الفكرة ليست قتل المضاربة… الفكرة هي عدم اعتبار المضاربة هي المدينة كلها.
لماذا “وصفة النمو القديمة” بدأت تنتهي؟
الـ Airdrops، النقاط، تعدين السيولة… غالبًا تحرك نفس الأموال بين واجهات مختلفة.
ثم يشتكي الفريق من “مستخدمين مرتزقة”!
الأسئلة التي ستحدد من يبقى:
من المستخدم خارج تويتر الكريبتو؟
لماذا سيستمر بعد انتهاء المكافآت؟
ما القيمة لشخص لا يفكر بالرموز والـ APY طوال اليوم؟
وعندما تحاول الخروج للعالم الحقيقي… ستصطدم بالامتثال:
إذا لمست مدفوعات حقيقية، ستلمس KYC.
إذا أردت مؤسسات، تحتاج حواجز.
إذا دخلت هوية أو ائتمان أو أصول واقعية، “الكل مجهول” لن ينجح كنموذج شامل.
جزء من الاقتصاد على السلسلة سيبقى خاصًا ومجهولًا — وهذا قد يكون ميزة.
لكن أغلب النشاط الاقتصادي الكبير سيتحرك حيث توجد الثقة والامتثال والتوزيع.
الكريبتو كخلفية للعالم: 3 طبقات للمستقبل
1) طبقة البنية التحتية: هادئة، مملة، ضخمة
البلوكتشين يصبح سكة تسوية لمدفوعات معيّنة، تحويلات عبر الحدود، سجلات ملكية، ضمانات، هوية…
المستخدم لا يحتاج يعرف ما هو “رول أب”… هو فقط يرى: أسرع وأرخص.
2) طبقة المنتجات: ليست “منتجات كريبتو”… بل منتجات فقط
تطبيقات تتنافس على السعر والسرعة والثقة وتجربة المستخدم.
ولا تسوّق نفسها على أنها “On-chain”، بل على أنها: أفضل.
3) طبقة المضاربة: ستبقى… ولكن في مكانها الطبيعي
ميم كوينز ومشتقات وأسواق عالية المخاطر لن تختفي.
لكنها ستصبح قطاعًا داخل منظومة أكبر، لا تعريف المنظومة كلها.
الرابحون والخاسرون في المرحلة القادمة
الخاسرون:
من يبني فقط لجمهور الكريبتو الداخلي.
من مهارته الأساسية “نقاط + انبعاثات + فارم”.
من يظن أن العالم يجب أن يتعلم لغته وطقوسه.
الرابحون:
من يبدأ بمشكلة واقعية لمستخدم واقعي، ويستخدم البلوك تشين كتفصيل تقني.
من يكون “مملًا” في الثقة والامتثال والتوزيع… وعبقريًا في المنتج.
من يدمج الستيبلكوين والمدفوعات والأسواق في حياة الناس بدون ضجيج.
الخاتمة: الكريبتو مات… عاش الكريبتو
نعم، “الكريبتو” كهوية منفصلة قد يموت.
وهذا ليس فشلًا — هذا ثمن الفوز.
في النهاية لن نتكلم كثيرًا عن “تبنّي العملات الرقمية” كموضوع منفصل.
بل سنتكلم عن:
شركات تعتمد على هذه السكك من وراء الكواليس
أسواق أكثر انفتاحًا وعالمية
أناس تغيرت حياتهم لأنهم امتلكوا أدوات لم توفرها لهم أنظمتهم التقليدية
السؤال الحاسم لكل مؤسس أو مستثمر أو صانع محتوى:
هل تبني من اجل “الكريبتو نيتف”… أم من اجل العالم؟
ملاحظة مهمة: هذا مقال تحليلي/تثقيفي وليس نصيحة استثمارية.
أسئلة شائعة (FAQ)
هل يعني “موت الكريبتو” نهاية بيتكوين والعملات الرقمية؟
لا. المقصود نهاية “الكريبتو كفقاعة ثقافية منفصلة”، بينما التقنية والاعتماد العملي قد يتوسعان أكثر.
لماذا العملات المستقرة مهمة في التبنّي؟
لأنها تقدم فائدة مباشرة: تحويلات أسرع، تسوية أرخص، وحفظ قيمة في بيئات تضخم مرتفع.
هل Web3 ستختفي؟
قد تختفي كـ “تسمية تسويقية” عند كثير من الشركات، لكن أفكارها (الملكية، التركيب، الإتاحة) قد تنتشر داخل منتجات عادية.
ما الفرق بين بناء منتج كريبتو وبناء منتج يستخدم بلوك تشين؟
الأول يبدأ من داخل مجتمع الكريبتو، الثاني يبدأ من مشكلة مستخدم حقيقي ثم يقرر إن كانت البلوك تشين هي الحل الأفضل.


